ما الفرق بين حالة الضرورة وحالة الاستثناء؟  (2015)

هناك خلط بين حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير وحالة الاستثناء. فحالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير ورد نصها في القانون الأساسي لتبرير قيام رئيس السلطة باصدار قرارات بقوة القانون في ظل عدم انعقاد المجلس التشريعي. أما حالة الاستثناء فهي الخروج عن التطبيق العادي للدستور بحسب ما يعتقد أنه حالة استثنائية تقتضي من الدولة تفعيل وسائلها الاستثنائية لدرء الخطر الاستثنائي المحيط بالدولة – أصل السلطات ومصدرها وسبب وجودها. فلا يتصور وجود تطبيق عادي للسلطات في ظل وجود تهديد للدولة نفسها ولوجودها وكيانها.

وعليه فإن أهم حالة استثناء هو ما جرت العادة على تقنينها من خلال نص الدستور وبأثر الدول التي تنتمي للنظام القاري. وهي ممارسة سائدة في فرنسا والتي نظمت إجراءات إعلان حالة الطوارئ على سبيل المثال من خلال الدستور نفسه. بينما أخذت بعض التقاليد القانونية الأخرى (مثل الدول الأقرب للتقليد الأنجلوساكسوني) بأنه لا يمكن التنظيم العادي في الدستور لما هو غير اعتيادي أو ظروف استثنائية – وهو ما يترك لسلطة الدولة التقديرية وتحت رقابة القضاء.

لكن فرنسا استحدثت مادة أخرى في دستورها الحالي، مختلفة عن حالة الطوارئ، تجعل من رئيس الجمهورية المرجعية الوحيدة لكافة السلطات في الدولة في حال وجود خطر يهدد سلامة الدولة وإقليمها وووجودها وكيانها ووحدتها. وهو أقرب لما يعتبره الفقه ظروفا استثنائية تقتضي الخروج عن التطبيق العادي والمألوف للدستور والذي يكون من خلال تقييد السلطة بالسلطة، لتعود السلطات للدولة ومن يمثلها بشكل رئيسي، أي رئيس الجمهورية.

ولكن النص على وجود ظروف استثنائية ليس إلا كاشفا لهذه المشروعية المرتبطة بالظروف الاستثنائية وليس بالتفويض الدستوري للخروج عن التطبيق العادي للدستور. بهذا المعنى فإن عدم النص في الدستور على وجود مشروعية للأعمال الحكومية التي قد تعتبر في الظروف العادية على أنها غير مشروعة ولكنها في الظروف الاستثنائية تصبح مشروعة، لا يعني عدم وجود مثل هذا الاختصاص. فهذه مقتضيات الحال ومرتبطة بوجود الدول وبكيانها وبوحدتها.

كونها ظروف استثنائية تقتضي ممارسة الدولة اختصاصات استثنائية لا يعفي هذه الإجراءات من خضوعها لرقابة المحاكم وخاصة تلك المسئولة عن الرقابة على الدستورية وتحديد اختصاصات السلطات في الدولة وأجهزتها الرئيسية في حال النزاع فيما بينها. بل أنها تقوم بذلك، ليس بموجب النصوص الدستورية الناظمة لعمل الدولة وسلطاتها في الظروف العادية، بل في ظل الظروف الاستثنائية. هناك في القانون الإداري نظرية الموظف الفعلي على سبيل المثال والتي تبرر اعتبار المحاكم لبعض الأفعال غير المشروعة في الظروف العادية على أنها مشروعة بسبب ظروف طارئة أو استثنائية اقتضت القيام بهذه الأفعال من قبل جهات غير مخولة بذلك في الظروف العادية أو بغير تلك الإجراءات الواجب احترامها في الظروف العادية.

 

عاصم خليل، نشرت هذه #المدونة_الدستورية بالأساس في شهر نيسان 2015 على صفحة وحدة القانون الدستوري. علماً بأنه منذ ذلك التاريخ تم تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا وتم تعيين قضاة المحكمة وصدرت العديد من القرارات عن تلك المحكمة وقد كانت موضوع منشورات لاحقة للمؤلف ننصح بالاطلاع عليها. وبالتالي وجب أخذ ما ورد في هذه المدونة على ضوء تلك التطورات وعلى ضوء تلك المنشورات.

تنويه: هذه #المدونة_الدستورية هو جهد شخصي للباحث هدفها تشجيع النقاش على #قضايا_دستورية_مقارنة وهي غير مدققة لغوياً أو محكمة والمعلومات الواردة فيها لم يتم توثيقها بموجب ما هو متعارف عليه. يرجى عدم الاقتباس أو الإحالة إلا بإذن شخصي من الباحث.

 

للمهتمين بهذا الموضوع يمكن الاطلاع على بعض الأبحاث التي نشرت لاحقاً لكتابة هذه المدونة حول هذا الموضوع:

خليل، عاصم. حالة الضرورة من منظور دستوري مقارن. سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية، 10/2018.

بدير، نوار وعاصم خليل. حالة الطوارئ. سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانوني 5/2018.

بدير، نوار وعاصم خليل. حالة الضرورة. سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية 4/2018

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s