ضعوا الدستور جانباً! إن التهديد بتفعيل دستور الدولة يشبه حال من يهدد الآخرين بأنه سيقوم باطلاق النار على قدميه ببندقيته!
هناك بعض الأخبار المتداولة باللغة الإنجليزية والتي تشير إلى أن فتح (على لسان محمود العالول بحسب ما ورد في جريدة الأيام بحسب هذا التلخيص الوارد على صفحة وفا بالإنجليزية وعلى صفحة أخبار XINHUA) تدرس امكانية تشكيل هيئة تاسيسية لتبني دستور الدولة. لم يتسن لي بعد أن أراجع مصادر عربية أو أن أتحقق فيما إذا كان هذا الخبر صحيحاً أم لا. ولكنني ارتأيت من خلال هذه المدونة أن أبدأ نقاشا مجتمعيا عاماً حول الموضوع، راجياً من المهتمين المساندة في إيصال هذه الرسالة لأصحاب القرار:
ضعوا الدستور جانباً ولا تهددوا بتفعيل فكرة دستور الدولة – فأنتم بذلك لا تهددون أحداً غيرنا نحن، الفلسطينيين، ولن تتمكنوا من خلال الدستور الجديد أن تقاوموا خطط الضم، أو أن تضغطوا على إسرائيل بعد وقف التنسيق، أو تضغطوا على المجتمع الدولي.
تجدر الإشارة إلى أن هناك لجنة تم تشكيلها لهذه الغاية منذ العام 2011 وفي حينه وفي لقاء مع السيد سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني أذكر بأنني طرحت على المشاركين – من المدعوين أمثالي لذلك الاجتماع الأول – فيما إذا كانت فكرة اللجنة مرتبطة بخطط السلطة التوجه للأمم المتحدة وبالتالي اعتبار الدستور وعمل اللجنة فقط من هذه الزاوية بأنه يفيد جهود الدبلوماسية الفلسطينية أكثر منه خطة صادقة لتحضير دستور لدولة فلسطين. وفي الاجتماع الأول تم تشكيل لجنة مصغرة من ثلاث أشخاص أنا أحد أعضائها – أنظر الخبر الصحفي على هذا الرابط. وقد عقدت اللجنة المصغرة عدة اجتماعات – أنظر الخبر.
وكنت قد لاحظت اهتمام القيادة الفلسطينية في حينه، فبالإضافة لتبني دستور كأحد الخطوات التي يشير لها قرار الجمعية العامة الذي عدل الإشارة لفلسطيني لتصبح دولة غير عضو بدل كيان غير عضو في العام 2012، كانت – وما زالت – الثغرات الموجودة في القانون الأساسي، هي الشغل الشاغل للقائمين على فكرة مشروع الدستور، ومن بينها كانت فكرة من يشغل رئاسة السلطة في حال شغور منصب الرئيس، هي الشغل الشاغل للكثيرين في حينه، وتوارد فكرة استحداث منصب نائب لرئيس السلطة يحل محله في حال شغور المنصب. وهذا تغير جوهري في النظام السياسي يقتضي التفكير بتعمق حول أهداف تلك التعديلات وتوقيتها ولا يجب أن تكون استجابة لحاجة آنية فقط.
ولأسباب شخصية مرتبطة بالسفر للولايات المتحدة لقضاء سنة تفرغ علمي (للعام 2015-2016)، اعتذرت بلطف من الزملاء أعضاء اللجنة المصغرة، الذين أكن لهم كل الاحترام، عن المتابعة معهم ومع لجنة الدستور – والتي لم يصدر بعلمي مرسوم بتشكيلها أو بتحديد اختصاصاتها بعد، وإن صدر مرسوم بتعيين رئيس المجلس الوطني، سليم الزعنون، ليصبح رئيس اللجنة، ويصبح نبيل شعث نائبا لرئيس اللجنة، فقط لا غير.
وكنت قد أبديت وجهة نظر في أكثر من مناسبة محذرا من تبني الدستور لدولة فلسطين معتمدين على قرار الجمعية العامة – فيصبح تبني الدستور آلية للخروج من المآزق المرتبطة بالقانون الأساسي والشرخ المستمر بين فتح وحماس. (راجع النقطة 11 من هذا الرابط وفي هذه المقالة حذرت من خلال مقابلة صحفية من استخدام المحكمة الدستورية لتمرير بعض التعديلات اللازمة لتحقيق تلك الغايات خاصة).
إلا أنني علمت بعد ذلك أن اللجنة استمرت في عملها ويبدو أن هناك نسخ تم تداولها – إطلعت على أحدها ويشار لها بنسخة العام 2015. ولكنها ليست – ولم تكن – نسخة للتداول العام كما فهمت، ولأسباب لا أعرفها.
وهنا أود أن أبدي الملاحظات التالية:
- إن تبني دستور الدولة يجب أن يتبع قيام دولة فلسطين ذات سيادة ولا يفيد تبني دستور الدولة قبل قيام الدولة، بل قد يكون تبني الدستور قبل تحقيق الاستقلال السياسي الكامل والتمتع بالسيادة، تقييد ذاتي غير مبرر كما أن هذا يتناقض مع فكرة الدستور – بعكس القانون الأساسي – الذي يجب أن يتبع قيام الدولة وليس أثناء المرحلة الانتقالية.
- في ظل وجود قانون أساسي – لا أرى حاجة لتبني دستور للدولة خاصة لأنه لم يطرأ تغير جوهري على وضعنا الانتقالي – ولأنني مقتنع بأن وصف دولة غير عضو ومصادقتنا على اتفاقيات دولية لم يغير جوهريا على ذلك وأن الثغرات الموجودة في القانون الأساسي يمكن تداركها من خلال تعديلات على القانون الأساسي نفسه دون الحاجة للمضي قدما باجراءات وضع دستور جديد. وأن هذا ممكن (التعديل على القانون الأساسي) في حال تمت انتخابات تشريعية ورئاسية وبالتالي الانتخابات ضرورية لتعديل القانون الأساسي – ولا يجب استغلال عملية وضع دستور جديد لتجاوز وتجنب الانتخابات.
- إن عملية وضع دستور دائم للدولة وإقراره بحسب الإجراءات التي كانت معتمدة من قبل لجنة إعداد الدستور (السابقة) تقتضي اجراء انتخابات لمجلس نيابي ضمن الدولة المستقلة – وفي ظل غياب آلية تشاركية لعملية وضع الدستور يشارك فيها ممثلون منتخبون عن الشعب الفلسطيني، فإن شرعية ذلك الدستور ستكون على المحك. أما منظمة التحرير ومؤسساتها فهي وحدها غير كافية لتبني دستور للدولة ويجب أن يكون هناك مشاركة شعبية لممثلين عن فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة بالإضافة لإشراك أكبر قدر ممكن من فلسطينيي الشتات وفي الدول المستضيفة للاجئين.
- إن عملية وضع دستور يقتضي وجود هيئة مستقلة يكون اختصاصها وضع الدستور وهذا يقتضي إما انتخاب هيئة تأسيسية أو تعيين لجنة خبراء تكون مستقلة على أن يتبع ذلك عملية اقرار شعبي واسع – من خلال استفتاء شعبي. وهذا كله يجب أن يتبع قيام الدولة ذات السيادة وليس تحت ظرف الاحتلال. علماً بأنه وبحسب رأيي فإن لجنة الدستور المشار إليها أعلاه لا تفي بهذه الشروط.
- إن عملية التحضير للدستور تخضع بالعادة لمشاركة شعبية واسعة ويجب أن تكون عملية منفتحة وليست سرية بحيث يتم التداول لنسخ مشروع الدستور وإتاحة المجال لدراستها ونقاشها تحضيرا لإقرارها وإصدارها. وهذا كله لم يتم بخصوص مشروع الدستور المتداول حالياً.
بناء على ما سبق فإنني أقترح الترتيب التالي لأي عملية مرتبطة بوضع دستور لدولة فلسطين:
- الاستفادة مما وجد في القانون الأساسي حالياً وتطبيقه والالتزام بما ورد فيه.
- إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب فرصة.
- تكون أول المهام التي تناط بالمجلس التشريعي العمل على وضع قانون أساسي معدل للقانون الأساسي الحالي يتعامل مع ما يعتبر من قبل الكثيرين على أنه ثغرات في القانون الأساسي بما في ذلك فكرة نائب للرئيس ومراجعة النظام السياسي، ومكانة الاتفاقيات الدولية، وآلية صنع القرار في مجلس الوزراء مقارنة مع رئيس السلطة وضرورة التوقيع المشترك على القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء وما إلى ذلك. وقد تعرضت لتلك الثغرات وبعض الحلول المقترحة – مع آخرين – في هذه الورقة ووضعنا أسس النظام السياسي الذي أشرنا له على أنه النظام السياسي المقيد.
- حال تحقيق الاستقلال السياسي وقيام الدولة ذات سيادة، إجراء انتخابات نيابية ورئاسية جديدة يكون من بين مهام مجلسها النيابي المضي قدماً بإجراءات وضع دستور الدولة والذي سيحل محل القانون الأساسي حال إقراره.
- هذا يقتضي التوافق قبل ذلك حول إجراءات تبني الدستور والذي يمكن أن يصدر بموجب إعلان دستوري. تكون شرعية الدستور مرتبطة في حينه في مدى تبني إجراءات تبني دستور تكون أكثر شمولية وفيها مشاركة شعبية واسعة وقد تشمل تلك الإجراءات المصادقة على مشروع الدستور باستفتاء شعبي ومن المفضل أن تكون مهمة وضع الدستور أو تحضيره من قبل هيئة تأسيسية منتخبة أو قد تكون تلك الهيئة هي نفسها المجلس النيابي الذي ينتخب ومن بين مهامه وضع دستور الدولة – شريطة أن يتم ذلك في انتخابات حرة ونزيهة وبعد انتهاء الاحتلال وقيام الدولة.
هذا يعني بأنه وإلى حين انتهاء الاحتلال وحتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وضمن حل الدولتين – في حال أن ذلك ما زال ممكنا، على ضوء خطة اسرائيل بالضم – فإن القانون الأساسي سواء بشكله الحالي أو في حال تعديله (البنود 1 و2 و3 أعلاه) ستكون كافية ولا حاجة للتهديد بالدستور لأن هذا ليس تهديدا لأحد آخر سوانا أنفسنا.
عاصم خليل 22 حزيران 2020