“من يستطيع الأكثر يستطيع الأقل”… هكذا يقولون. لكن في القانون الدستوري، هذا ليس صحيحا دائما!

فمن بين الأخطاء الشائعة هو الحديث عن أن السلطة التأسيسية (والتي يتم ربطها في الأنظمة الديمقراطية بالشعب مصدر السلطات) تستطيع أن تحل في أي وقت محل السلطات الثلاث وأن الشعب يستطيع أن يحل محل الأجهزة الحكومية ويتدخل في شؤونها.

صحيح أن السلطة التأسيسية مسؤولة عن وضع الدستور والذي بدوره ينظم السلطات الثلاث ويوزع الاختصاصات بين أجهزة الحكومة الرئيسية إلى أن هذا لا يعني بأن صاحب السلطة التأسيسية (أي الشعب)، يستطيع أن يتدخل في سير وعمل السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، من منطلق أن من يستطيع الأكثر يستطيع الأقل. هذا غير وارد.

فالشعب – وإن كان مصدر السلطات وإن كان هو صاحب السلطة التأسيسية المنشأة (أو على الأقل هكذا نفترض) إلا أنه لا يستطيع بذلك وحده أن يتدخل في عمل السلطات الثلاث خارج تلك الحالات التي يسمح بها الدستور – سواء من خلال الانتخاب أحيانا، أو من خلال الاستفتاء أحيانا أخرى، أو من خلال التعبير عن الرأي والضغط على الحكومة بالوسائل المشروعة.

إن الدستور يضع حدا للثورة بحيث يعود الشعب لحياته الطبيعية اليومية العادية تاركا إدارة الدولة لمؤسساتها الرسمية ولسلطاتها الثلاث ويلتزم الشعب بالتدخل في الحكم فقط من خلال تلك الآليات التي يسمح بها الدستور.

بل ويعتبر الخروج عن الدستور وعن آلياته وشرعياته خروج عن القانون فينتج عنه ابطال للأعمال الحكومية المخالفة للدستور في بعض الأحيان بل ويتم تجريم من يحاول الانقلاب على الشرعية الدستورية وتجريمه بالخيانة العظمى.

فالثورة على الدستور بطبيعتها غير دستورية دائماً – ما دام أنها لم تنجح بعد.

ولكن في حال نجحت الثورة أو الانقلاب، يتحول كل ما سبق لأساس للشرعية الدستورية الجديدة بل ويفترض حينها بأن ما تم ليس خروج عن الدستور وإنما فقط تفعيل للسلطة التأسيسية المنشأة فقط لا غير.

كتبت هذه المدونة في 29 أيلول 2019 وما زالت قيد التحرير اللغوي. رجاء عدم الاقتباس.