التمييز بين السلطة الحكومية والجهاز الذي يمارسها

التمييز بين السلطة والجهاز الحكومي الرئيسي الذي يمارس تلك السلطة هو أمر في ظاهره بسيط وغير مفيد ولكنه كما سأظهر أدناه ضروري لفهم الكثير من القضايا في القانون الدستوري.

فالسلطة التشريعية ليست البرلمان والسلطة التنفيذية ليست الحكومة والسلطة القضائية ليست المحاكم.

فالبرلمان هو الجهاز الحكومي الرئيسي الذي يقوم بالعادة بالتشريع من خلال تبني قوانين لكن ليس كل ما يصدر عن البرلمان تشريع وليس كل تشريع صادر عن البرلمان: فالبرلمان يتخذ قرارات ذات طابع إداري تجاه أعضائه رافعا الحصانة عن أحدهم أو تجاه موظفيه متخذا إجراءات تأديبية. وقد يتحول البرلمان أو أحد مجالسه لمحكمة في قضايا معينة (مثلا لعزل الرئيس في الولايات المتحدة يتم من خلال مجلس الشيوخ). والحكومة قد تقوم بتبني تشريعات ثانوية وبالتالي تكون الحكومة بهذه العملية جزء من ممارسة السلطة التشريعية كونها تضع قواعد عامة ومجردة مثلها مثل القانون وإن كانت من حيث الهرمية أدنى منه درجة. ورئيس الدولة قد يتبنى قرارات بقوة قانون في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير وهو قرار بقانون كونه صادر عن الرئيس ولكنه قانون من حيث طبيعته وما قام به الرئيس في هذه الحالة هو تفعيل السلطة التشريعية وليس السلطة التنفيذية.

والحكومة هي الجهاز الحكومي الرئيسي الذي تكون مسؤوليته ممارسة السلطة الإجرائية في الدولة من خلال ممارسة سلطة الضبط الإداري وإدارة المرافق العامة مستخدمين الآليات التي في متناولها وهي العناصر البشرية والمادية والسياسات العامة والمال العام. ولكن البرلمان عندما يقر خطة الحكومة وسياساتها يكون جزءا من عملية تفعيل السلطة التنفيذية؛ وكذلك عند إقرار الموازنة العامة (بالعادة من خلال قانون الموازنة). والمحكمة (الإدارية) أو اللجان المختلفة التي تقوم بالتدخل من خلال مراجعة قرارات الإدارة في عملية فصل موظف أو إبقائه على رأس عمله أو مراجعة قرار مرتبط فمكان بناء مستشفى أو مدرسة في ظل محدودية الموارد المالية المتاحة فإنها عمليا تكون جزءا من عملية تفعيل السلطة التنفيذية، وإن كانت شكليا تتم من خلال جهاز قضائي. كما أن هناك سلطات غير حكومية تكون لها مسؤولية ممارسة السلطة الإجرائية في مجالات معينة تكون كذلك بسبب طبيعة هذه السلطة وعدم الرغبة في إبقائها رهينة التغيرات الحزبية (مثلا إدارة سلطة النقد أو البنك المركزي أو إدارة التلفزيون الحكومي أو ما شابه ذلك).

والمحاكم هي الجهاز الحكومي الرئيسي الذي تكون مسؤوليته حل النزاعات ولكن هناك موظفين إداريين يتخذون قرارات هي في طبيعتها قضائية (فمسجل العلامة التجارية يتخذ قرارات متعلقة بنزاعات حول العلامات التجارية ويمكن الاستئناف على تلك القرارات لمحكمة العدل العليا الفلسطينية). وكذلك هناك لجان (مثلا على مستوى الاتفاقيات الدولية) تكون مسؤولة عمليا عن النظر في النزاعات القائمة بخصوص تطبيق الاتفاقيات الدولية وتقوم هذه اللجان عمليا بمهام قضائية. كذلك يكون مجلس القضاء الأعلى مسؤولا عن إدارة المحاكم ولكنه عند اتخاذه لقرارات فهي تكون ذات طابع إداري وليس ذات طابع قضائي. كذلك هناك اختصاصات إدارية لرئيس محكمة معينة تجاه موظفيه وبالتالي لا يكون جميع ما يصدر عنه ضمن السلطة القضائية.

الخلاصة: يجب التمييز بين السلطة والجهاز الحكومي الذي يمارسها. وفي ظل النظام النسبي للفصل بين السلطات تتقاسم الأجهزة الحكومية ممارسة السلطات الثلاث بطريقة معينة تكون نتيجتها تحديد النظام السياسي في ذلك البلد.

تمت كتابة هذه المدونة في 27 أيلول 2019. وما زالت قيد التحرير اللغوي. الرجاء عدم الاقتباس.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s