فيدو كامل للندوة التي نظمها مختبر الدراسات السياسية والقانون العام في جامعة سيدي محمد بن عبدالله بتاريخ 15 آذار 2021.
تشرفت بالاستماع لملاحظات (وانتقادات) من قام بتقديم الكتيب العربي المرفق في القانون الدستوري. وقد تسنى لنا – زميلي اكسافييه فيليب وأنا – الرد في نهاية الندوة حول بعض هذه الملاحظات. الندوة باللغة العربية بالمجمل باستثناء مداخلة المؤلف المشارك، باللغة الفرنسية.
أدناه المداخلة التي قمت بها في البداية (علماً بأن محتوى مداخلتي يشبه إلى حد كبير ما قدمته في ندوة إطلاق الكتيب العربي من تونس في 1 آذار 2021. للاطلاع على فيديو إطلاق الندوة).
أشكر الزملاء المنظمين والمشاركين في هذه الندوة وهي الأولى من نوعها بعد الإطلاق الرسمي للكتيب العربي المرافق للقانون الدستوري قبل أسبوعين من تونس، من قبل المنظمة العربية للقانون الدستوري.
في الحقيقة يأتي هذا الكتيب في إطار عام للمعرفة تتميز، في وقتنا الحالي، ليس في قلة المعلومات والمراجع بل بكثرتها. كما يتميز عالمنا الحالي، ليس ببطء انتقال المعلومات وصعوبة في اتاحتها، بل بسرعتها وتنوع طرق تداولها، في ظل التطور التكنولوجي الحديث. هذه الحال تؤثر على العلم والمعرفة أيما تأثير، وعلى أساليبها وطرقها، بما في ذلك العلوم القانونية. على سبيل المثال، عندما نقوم بتدريس مساق القانون الدستوري، يجد الأستاذ – وأنا منهم – صعوبة في حصر المصادر والمراجع والمعلومات المتاحة لجعلها في متناول طلبته بطريقة متماسكة ومترابطة وذات معنى.
في هذا الإطار يأتي هذا الكتيب لمرافقة الأستاذ عند تدريس مساق القانون الدستوري دون أن يشكل بذلك بديلا عن الكتب الأخرى بل يهدف لمساندة ومساعدة الأستاذ في عملية التحضير للحصة، كما الطالب في عملية مراجعتها، للاستفادة مما تم التعرض له بتعمق وتزيد في غيره من الأدبيات المتاحة، بما يخدم في تقديم وسائل لتحليلها وربطها بالواقع العملي وفي الخبرات الدستورية المحلية وما إلى ذلك. هذا الدليل بمثابة خارطة مساندة للابحار في محيط من المعلومات والمراجع والأدبيات أثناء تدريس مساق القانون الدستوري.
لتوصيف هذه الكتيب العربي للقانون الدستوري أشير إلى أنه عمل جمعي، عمل أكاديمي غير تقليدي. لكن أفضل توصيف لهذا الكتيب بالنسبة لي شخصياً هو أنه عمل جار قيد الاعداد المستمر يهدف لوضع الخبرات الدستورية العربية في إطارها العالمي العام.
عمل جمعي (collective work). بمعنى أن هذا ليس كتاب مؤلفيه فحسب، وذلك لعدة أسباب:
-
- اولها طريقة تحضيره الجمعية – ليس الكتابة فهذه قمنا بها فرادا وانما تطوير الفكرة ونقاش تفاصيل محتواها وطريق اخراجها وما الى ذلك. فهذا كتاب جميع من شارك في النقاش منذ اليوم الاول لولادة الفكرة.
- وهذا ليس كتاب مؤلفيه ثانيا لانه كتاب كل من يستخدمه من اساتذة القانون الدستوري فيبني عليه وينطلق منه ويتفق معه قليلا ويختلف معه اكثر. ولكنه بذلك يجعله ملكه من خلال دمجه بما يعتقد او بما يفكر او بما يضيفه او بما يركز عليه ويهمله.
- لاسباب عملية اخترنا الكتابة باللغة الإنجليزية بحيث يكون هناك نقاش مباشر بدون وساطة مترجمين لغايات تطوير النسخة الأولية للكتيب – والذي كانت عملية كتابته الجزء الأسهل والأقصر. المخاض الذي رافق بلورة الفكرة أولاً وتطورها ثانيا من خلال النقاشات مع المنظمة العربية للقانون الدستورية والخبراء الذين وافقوا مشكورين للمشاركة في أكثر من مناسبة في التفكير معنا حول هذا الكتيب ونقاش المسودة ثانيا ومراجعة النسخة المترجمة أخيراً كلها ساهمت في اخراج هذا الكتاب إلى النور.
- عملية الترجمة ومراجعتها أوضحت صعوبة استخدامات بعض الكلمات في القانون الدستوري المقارن العربي والاختلافات التي وجدت أحيانا في الأدبيات حول بعض المفاهيم وقد تجاوزناها بفضل وجهود المترجمة من جهة والمراجعين من جهة أخرى ومع ذلك أي أخطاء نتحملها وحدنا وليس أي من الذين قدموا لنا ملاحظاتهم أو شاركونا رأيهم خلال هذه العملية كاملة.
عمل أكاديمي غير تقليدي:
-
- فهذا ليس بديلا عن الكتب القيمة المتاحة باللغات المختلفة ومنها العربية من قبل أساتذة قانون دستوري نكن لهم كل الاحترام. كما أن كتابة هذه الكتيب المرافق لم يسبقه مراجعة أدبيات شاملة تعطي لكل ما هو موجود من منشورات علمية جادة مكانها الذي تستحق.
- وهو يعتمد على أسلوب تعلم أساسه الطالب وليس الأستاذ ومن هنا فإن الأفكار المفتاحية هدفها لفت انتباه أستاذ المساق لقضايا هامة تدخل ضمن هذه المواضيع يناقشها مع طلبته ويستمع إليهم ويكونون هم – على الأقل من خلال التمارين العملية والمحاكاة بعد كل فصل، الفاعل وليس المفعول، المؤثرون وليس المتأثرون. ولهذا فهناك تمارين وأسئلة ولا توجد أجوبة – فالأجوبة متروكة للطلبة وأستاذ المساق ليستكملوا معا هذا الكتيب بأفكارهم ونقاشاتهم وآرائهم.
عمل جار قيد الاعداد المستمر (work in progress)
-
- بدأنا العمل عليه، ولكن العمل على هذا الكتيب لم ينته بعد. الكتيب نشر. لكن العمل البحثي والأكاديمي مستمر.
- شخصياً أدرس مساق القانون الدستوري معتمداً بالأساس عليه كنقطة انطلاق. وأضيف عليه وأعيد صياغة بعض ما ورد فيه. لن اعتبر المشروع منتهيا مهما اصدرت نسخ محدثة جديدة في المستقبل. فهذه هويته الخاصة. بدون هذا الشغف المستمر للتحديث، يفقد هذا الكتيب قيمته وسبب وجوده.
- ليس الهدف من قول ما سبق تواضعاً مزيفا وإنما هو بالأساس انعكاس لمنهجية حياة بالنسبة للأكاديمي والباحث: أوليس هذا ما نطمح إليه في كل علم – ألا نتوقف أبدا عن البحث، وألا نعتقد أبداً بأننا وصلنا إلى المعرفة؟ في حال وصلنا فقد انتهينا. الباحث – والإنسان – الذي لا يستطيع أو يرغب أن يتعلم أو يعتقد أنه وصل إلى مبتغاه في العلم يكون في الحقيقة باحثا – وإنسانا – ميتا ليس إلا.
عمل علمي يضع القانون الدستوري في العالم العربي ضمن إطاره العالمي العام.
-
- فما يقوم به الكتيب هو وضع نقاشات دستورية مقارنة هامة في إطارها العام من جهة ولكنه من جهة أخرى يضعها في إطار الدول العربية المعاصرة، حيث أن هذه النقاشات حدثت فيها وما زالت. وبهذا فإن الكتاب ينطلق من رفض الفصل بين الحضارات بين منشأ ومتلقي؛ بين “هم ونحن”؛ بين غرب وشرق. الكل متلقي والكل مشارك في عملية المعرفة هذه.
- هذا الكتيب ينقاش قضايا تصلح لكل الدول ولكن الأمثلة المستخدمة من الدول العربية تساهم في التعريف أولا بواقع هذه الدول ولكنها تقوم ثانياً بمحاربة تهميشها المستمر في الأكاديمية العالمية باعتبارها الآخر البعيد كل البعد عن التقدم الحضاري المشترك وبالتحديد عندما يتم تهميش خبراتنا الدستورية العربية في مجمل كتابات القانون الدستوري المقارن الجادة.
إننا نأمل من خلال هذه التجربة تشجيع آخرين لاعتماد أسلوب مماثل وتطوريه لغايات تدريس مساقات أخرى ضمن كليات الحقوق تقوم على ربط النظرية بالواقع وتجعل الطالب جزء أساسي من عملية التعلم من خلال تطبيقات عملية تجعل الطالب مستعدا لما بعد الدراسة الجامعية بما يلزم من وسائل تساعده في الابحار في عمله كباحث قانوني أو أكاديمي أو محامي أو قاضي.
عاصم خليل، رام الله، 15 آذار 2021.
أدناه الدعوة التي تم توزيعها للندوة.
