شكرا لحضوركم اليوم. في وجودكم رسالة. آمل أن يحسن من توجه له هذه الرسالة القراءة بين السطور. نحن لم نعتاد على القتل. لم نعتاد على الموت. لم نعتاد على الاحتلال. لن يصبح الاحتلال وجرائمه بالنسبة للفلسطيني شيء طبيعي نعتاد عليه.
هل شعرتم من قبل بأنكم ترغبون بالتواجد في مكان ما أو المشاركة في حدث ما بكل كيانكم ولكنكم تعتقدون بالرغم من ذلك بأنه لا يوجد كلام. وبأن الصمت أفضل. هذا هو شعوري اليوم.
فما نقوم به اليوم يذكرنا بحدث عشناه جميعاً، وليس فقط عائلة شيرين أبو عاقلة الصغيرة. وليس فقط عائلتها الأخرى مكتب الجزيرة، الذين قضت معهم سنوات طويلة من العمل الدؤوب في خدمة رسالتها كإعلامية وخدمة الإنسان. وليس فقط عائلتها الأكبر التي شملت عائلة كل فلسطيني اعتاد على صوتها وعلى تقاريرها وعلى زياراتها للعائلات وعلى صمتها بجانب الأمهات المتألمات لفقدان عزيز وقريب.
لكن لكل شيء وقت. للصمت وقت. وللحديث وقت. وللصراخ وقت. اليوم الحق تطلق هذا التقرير بصوت عالي وصورة واضحة. اليوم ليس وقت الصمت.
وفي هذا الإطار وددت مشاركتكم ثلاث أفكر تراودني منذ أن طلب مني افتتاح هذا المؤتمر الصحفي:
هناك اليوم الكثير من “تجار الشك” وهو اسم كتاب تم نشره مؤخراً ويشير إلى توظيف العلم والأكاديميا والصحافة وغيرها لزرع الشك في كل شيء. تبين بالحقيقة بأن هذه الوسيلة ناجعة للقضاء على أي مبادرات تهدف إلى اجراء تعديلات سياساتية قد تكون مكلفة بالنسبة للدول. وهو التكتيك نفسه الذي يستخدم أيضاً ضد الفلسطينيين وضد من يحاول التضامن معهم. وذلك من خلال زرع الشك بكل المبادرات التي تتم بطريقة حضارية ومدنية وإنسانية للمطالبة بمحاسبة إسرائيل، وما يرتكبه جنودها من جرائم. يأتي “تجار الشك” هؤلاء باسم الحيادية والموضوعية وتعدد الآراء، ليس بنظرية مغايرة مقنعة، وإنما يستخدموا أسلوب التشكيك بكل ما يذكر. فيصبح على الضحية مسؤولية التزام الحيادية والبحث على طرق لإثبات كونه ضحية قبل التجرأ بازعاج المجرم.
النقطة الأخرى هي معرفتنا وقناعتنا بأن القانون الدولي منحاز. ولادته مشوهة. وتطوره مشوه. وكبره مشوه. لكننا نعتقد مع ذلك أن القانون الدولي يشكل مساحة يمكن فيها للضحايا ومن يمثلهم من المطالبة بالحقوق. وبالتالي نعتقد بالرغم من محدودية النتائج بأن الذهاب بملف جديد يظهر جرائم جنود الاحتلال خطوة هامة وإن لا يحقق العدالة للعائلة، ولنا، إلا أنه مع ذلك ضروري ومهم. فوقوف الضحية وممثليها شامخين أمام جلاديهم فيه كرامة. والفلسطيني ما زال لديه كرامة.
النقطة الأخيرة وهي مرتبطة بأن قضية شيرين ومسؤولية الجندي لا يجب أن تنسيني المشكلة الأكبر وهي الاحتلال بطبيعته الاستعمارية الاستيطانية. فهذا لا يكفيه قرار من المحكمة الجنائية الدولية ولا يكفيه ملاحقة الجندي الذي قتل شرين. هذا يحتاج لتدمير البنى التي وضعها الاستعمار وهذا ممكن – حدث تاريخياً ويمكن أن يحدث في المستقبل.
التاريخ لا يقاس بالسنوات. صحيح أن حياتنا أقصر من أن نرى نتائج ما نقوم به. لكن التاريخ سيتذكر ما قمنا به وما تخاذلنا عن القيام به. فلنقم بشيء مشرف لنا ومشرف لحياة قصيرة نأمل أن تتذكرنا الأجيال القادمة بها.
The legal brief on the case, available at this link: https://www.alhaq.org/advocacy/20613.html?fbclid=IwAR3MXpM0Uydh0k6CGX7alkNj4SrcHPxrto77faP9ViuMRJ254Qm1EdxQZL4